فصل: تفسير الآيات (13- 14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (11):

{فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
قوله تعالى: {فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} بالرفع على النعت لاسم الله، أو على تقدير هو فاطر. ويجوز النصب على النداء، والجر على البدل من الهاء في {عليه}. والفاطر: المبدع والخالق. وقد تقدم.. {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً} قيل معناه إناثا. وإنما قال: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} لأنه خلق حواء من ضلع آدم.
وقال مجاهد: نسلا بعد نسل. {وَمِنَ الأنعام أَزْواجاً} يعني الثمانية التي ذكرها في الأنعام ذكور الإبل والبقر والضأن والمعز وإناثها. {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي يخلقكم وينشئكم {فِيهِ} أي في الرحم.
وقيل: في البطن.
وقال الفراء وابن كيسان: {فيه} بمعنى به. وكذلك قال الزجاج: معنى {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} يكثركم به، أي يكثركم يجعلكم أزواجا، أي حلائل، لأنهن سبب النسل.
وقيل: إن الهاء في {فِيهِ} للجعل، ودل عليه {جعل}، فكأنه قال: يخلقكم ويكثركم في الجعل. ابن قتيبة: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} أي في الزوج، أي يخلقكم في بطون الإناث. وقال: ويكون {فِيهِ} في الرحم، وفية بعد، لان الرحم مؤنثة ولم يتقدم لها ذكر. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} قيل: إن الكاف زائدة للتوكيد، أي ليس مثله شي. قال:
وصاليات ككما يؤثفين

فأدخل على الكاف كافا تأكيدا للتشبيه.
وقيل: المثل زائدة للتوكيد، وهو قول ثعلب: ليس كهو شي، نحو قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137].
وفي حرف ابن مسعود {فإن آمنوا بما آمنتم به فقد اهتدوا} قال أوس بن حجر:
وقتلى كمثل جذوع ألن ** خيل يغشاهم مطر منهمر

أي كجذوع. والذي يعتقد في هذا الباب أن الله جل اسمه في عظمته وكبريائه وملكوته وحسنى أسمائه وعلي صفاته، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ولا يشبه به، وإنما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي، إذ صفات القديم عز وجل بخلاف صفات المخلوق، إذ صفاتهم لا تنفك عن الأغراض والاعراض، وهو تعالى منزه عن ذلك، بل لم يزل بأسمائه وبصفاته على ما بيناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وكفى في هذا قوله الحق: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. وقد قال بعض العلماء المحققين: التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات ولا معطلة من الصفات. وزاد الواسطي رحمه الله بيانا فقال: ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، ولا كصفته صفة إلا من جهة موافقة اللفظ، وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة، كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة. وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة. رضي الله عنهم!

.تفسير الآية رقم (12):

{لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)}
قوله تعالى: {لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} تقدم في {الزمر} بيانه. النحاس: والذي يملك المفاتيح يملك الخزائن، يقال للمفتاح: إقليد، وجمعه على غير قياس، كمحاسن والواحد حسن. {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} تقدم أيضا في غير موضع.

.تفسير الآيات (13- 14):

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)}
قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً} فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ} أي الذي له مقاليد السموات والأرض شرع لكم من الدين ما شرع لقوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ثم بين ذلك بقوله تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} وهو توحيد الله وطاعته، والايمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء، وبسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما. ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها، فإنها مختلفة متفاوتة، قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً} [المائدة: 48] وقد تقدم القول فيه. ومعنى {شَرَعَ} أي نهج وأوضح وبين المسالك. وقد شرع لهم يشرع شرعا أي سن. والشارع: الطريق الأعظم. وقد شرع المنزل إذا كان على طريق نافذ. وشرعت الإبل إذا أمكنتها من الشريعة. وشرعت الأديم إذا سلخته.
وقال يعقوب: إذا شققت ما بين الرجلين، قال: وسمعته من أم الحمارس البكرية. وشرعت في هذا الامر شروعا أي خضت. {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ} {أن} في محل رفع، على تقدير والذي وصى به نوحا أن أقيموا الدين، ويوقف على هذا الوجه على {عِيسى}.
وقيل: هو نصب، أي شرع لكم إقامة الدين.
وقيل: هو جر بدلا من الهاء في {به}، كأنه قال: به أقيموا الدين. ولا يوقف على {عِيسى} على هذين الوجهين. ويجوز أن تكون {أَنْ} مفسرة، مثل أن امشوا، فلا يكون لها محل من الاعراب.
الثانية: قال القاضي أبو بكر بن العربي: ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في حديث الشفاعة الكبير المشهور: «ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون نوحا فيقولون له أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض». وهذا صحيح لا إشكال فيه، كما أن آدم أول نبي بغير إشكال، لان آدم لم يكن معه إلا نبوة، ولم تفرض له الفرائض ولا شرعت له المحارم، وإنما كان تنبيها على بعض الأمور واقتصارا على ضرورات المعاش، وأخذا بوظائف الحياة والبقاء، واستقر المدى إلى نوح فبعثه الله بتحريم الأمهات والبنات والأخوات، ووظف عليه الواجبات وأوضح له الآداب في الديانات، ولم يزل ذلك يتأكد بالرسل يتناصر بالأنبياء- صلوات الله عليهم- واحدا بعد واحد وشريعة إثر شريعة، حتى ختمها الله بخير الملل ملتنا على لسان أكرم الرسل نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان المعنى أوصيناك يا محمد ونوحا دينا واحدا، يعني في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة، وهي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج، والتقرب إلى الله بصالح الأعمال، والزلف إليه بما يرد القلب والجارحة إليه، والصدق والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة وصلة الرحم، وتحريم الكفر والقتل والزنى والاذاية للخلق كيفما تصرفت، والاعتداء على الحيوان كيفما دار، واقتحام الدناءات وما يعود بخرم المروءات، فهذا كله مشروع دينا واحدا وملة متحدة، لم تختلف على ألسنة الأنبياء وإن اختلفت أعدادهم، وذلك قوله تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} أي اجعلوه قائما، يريد دائما مستمرا محفوظا مستقرا من غير خلاف فيه ولا اضطراب، فمن الخلق من وفى بذلك ومنهم من نكث، {ومن نكث فإنما ينكث على نفسه} [الفتح: 10]. واختلفت الشرائع وراء هذا في معان حسبما أراده الله مما اقتضت المصلحة وأوجبت الحكمة وضعه في الأزمنة على الأمم. والله أعلم. قال مجاهد: لم يبعث الله نبيا قط إلا وصاه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطاعة، فذلك دينه الذي شرع لهم، وقاله الوالبي عن ابن عباس، وهو قول الكلبي.
وقال قتادة: يعني تحليل الحلال وتحريم الحرام.
وقال الحكم: تحريم الأمهات والأخوات والبنات. وما ذكره القاضي يجمع هذه الأقوال ويزيد عليها. وخص نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى بالذكر لأنهم أرباب الشرائع. قوله تعالى: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ} أي عظم عليهم. {ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من التوحيد ورفض الأوثان. قال قتادة: كبر على المشركين فاشتد عليهم شهادة أن لا إله إلا الله، وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله عز وجل إلا أن ينصرها ويعليها ويظهرها على من ناوأها. ثم قال: {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ} أي يختار. والاجتباء الاختيار، أي يختار للتوحيد من يشاء. {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} أي يستخلص لدينه من رجع إليه. {وَما تَفَرَّقُوا} قال ابن عباس: يعني قريشا. {إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ} محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي، دليله قوله تعالى في سورة فاطر: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ} [فاطر: 42] يريد نبيا.
وقال في سورة البقرة: {فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89] على ما تقدم بيانه هناك.
وقيل: أمم الأنبياء المتقدمين، فإنهم فيما بينهم اختلفوا لما طال بهم المدى، فآمن قوم وكفر قوم.
وقال ابن عباس أيضا: يعني أهل الكتاب، دليله في سورة المنفكين {وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4]. فالمشركون قالوا: لم خص بالنبوة! واليهود حسدوه لما بعث، وكذا النصارى. {بَغْياً بَيْنَهُمْ} أي بغيا من بعضهم على بعض طلبا للرئاسة، فليس تفرقهم لقصور في البيان والحجج، ولكن للبغي والظلم والاشتغال بالدنيا. {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} في تأخير العقاب عن هؤلاء. {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} قيل: القيامة، لقوله تعالى: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} [القمر: 46].
وقيل: إلى الأجل الذي قضي فيه بعذابهم. {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي بين من آمن وبين من كفر بنزول العذاب. {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ} يريد اليهود والنصارى. {مِنْ بَعْدِهِمْ} أي من بعد المختلفين في الحق. {لَفِي شَكٍّ} من الذي أوصى به الأنبياء. والكتاب هنا التوراة والإنجيل.
وقيل: {إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ} قريش. {مِنْ بَعْدِهِمْ} من بعد اليهود النصارى. {لَفِي شَكٍّ} من القرآن أو من محمد.
وقال مجاهد: معنى {مِنْ بَعْدِهِمْ} من قبلهم، يعني من قبل مشركي مكة، وهم اليهود والنصارى.

.تفسير الآية رقم (15):

{فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)}
قوله تعالى: {فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ} لما أجاز أن يكون الشك لليهود والنصارى، أو لقريش قيل له: {فَلِذلِكَ فَادْعُ} أي فتبينت شكهم فادع إلى الله، أي إلى ذلك الدين الذي شرعه الله للأنبياء ووصاهم به. فاللام بمعنى إلى، كقوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها} [الزلزلة: 5] أي إليها. و{ذلِكَ} بمعنى هذا. وقد تقدم أول البقرة. والمعنى فلهذا القرآن فادع.
وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع.
وقيل: إن اللام على بابها، والمعنى: فمن أجل ذلك الذي تقدم ذكره فادع واستقم. قال ابن عباس: أي إلى القرآن فادع الخلق. {وَاسْتَقِمْ} خطاب له عليه السلام. قال قتادة: أي استقم على أمر الله.
وقال سفيان: أي استقم على القرآن.
وقال الضحاك: استقم على تبليغ الرسالة. {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ} أي لا تنظر إلى خلاف من خالفك. {وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} أي أن أعدل، كقوله تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ} [غافر: 66].
وقيل: هي لام كي، أي لكي أعدل. قال ابن عباس وأبو العالية: لاسوي بينكم في الدين فأومن بكل كتاب وبكل رسول.
وقال غيرهما: لأعدل في جميع الأحوال وقيل: هذا العدل هو العدل في الأحكام. وقيل في التبليغ. {اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ} قال ابن عباس ومجاهد: الخطاب لليهود، أي لنا ديننا ولكم دينكم. قال: ثم نسخت بقوله: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 29] الآية. قال مجاهد: ومعنى {لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ} لا خصومة بيننا وبينكم.
وقيل: ليس بمنسوخ، لان البراهين قد ظهرت، والحجج قد قامت، فلم يبق إلا العناد، وبعد العناد لا حجة ولا جدال. قال النحاس: ويجوز أن يكون معنى {لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ} على ذلك القول: لم يؤمر أن يحتج عليكم ويقاتلكم، ثم نسخ هذا. كما أن قائلا لو قال من قبل أن تحول القبلة: لا تصل إلى الكعبة، ثم حول الناس بعد، لجاز أن يقال نسخ ذلك. {اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا} يريد يوم القيامة. {وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} أي فهو يحكم بيننا إذا صرنا إليه، ويجازي كلا بما كان عليه.
وقيل: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة، وقد سألا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرجع عن دعوته ودينه إلى دين قريش، على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته.